Press "Enter" to skip to content

الموقف التاريخي لمدينة كفري

.

بقلم محمد هاشم الصالحي

تعذر الوصول إلى نتيجة إيجابية ترضي جميع الأطراف بخصوص مسألة الموصل في المؤتمر المنعقد في مدنية لوزان السويسرية. حيث عقدت جلستين الأولى والثانية يوم الثلاثاء بتأريخ 23 كانون الثاني 1923م.  

حيث ترأس لجنة المفاوضات من الجانب التركي عصمت اينونو بمعاونة كل من وزير المالية حسن أفندي ووزير الصحة رضا نور بعد انتخابهم من قبل مجلس الأمة التركي. قدمت اللجنة المفاوضة التركية الدلائل في إبراز أحقيتها في إبقاء الموصل تحت إدارة الدولة التركية المشكلة حديثاً. وقدمت اللجنة المفاوضة لبريطانيا العظمى برئاسة اللورد كورزون حججها في سلخ الموصل من تركيا وإلحاقها بالمملكة العراقية التي أصبحت تحت الانتداب البريطاني بعد عقدت هدنة موندروس في 30 تشرين الأول 1918م.

خلال مفاوضات لوزان دأبت بريطانيا في تحويل ملف الموصل وتركها إلى قرار أممي تصدر من عصبة الأمم. حيث كانت بريطانيا واثقة من أعضاء عصبة الأمم في أنهم سوف يصوتون لصالحها وتكون المخرجات كما تخطط لها بريطانيا. من طرفها كانت تركيا تطالب بإجراء استفتاء شعبي عام في ولاية الموصل لمعرفة الرأي الشعبي هناك فيما إذا كانوا يرغبون البقاء تحت الإدارة التركية أم إلحاقهم بالمملكة العراقية التي هي تحت الانتداب البريطاني.

بطريقة أو بأخرى وحسب ما تذكره مصادر التأريخ فقد نجحت بريطانيا في تحويل ملف الموصل إلى عصبة الأمم. حيث عقد مجلس عصبة الأمم أول جلسة لها لبحث قضية الموصل في 24 ايلول 1924م. كان اللورد بارمور ممثلاً عن الجانب الإنكليزي، بينما كان ممثل الطرف التركي فتحي بك الذي تحدث موضحاً رأي الجانب التركي في مسألة الموصل.

استمر مجلس عصبة الأمم في بحث قضية الموصل في جلسته المؤرخة 30 أيلول 1924م وقرر تشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثة أعضاء تتولى اللجنة تزويد مجلس عصبة الأمم بالمعلومات الضرورية وبالاقتراحات الملائمة. اختار المجلس لعضوية اللجنة كل من:

1.    الكونت تيلاكي (رئيس وزراء المجر الأسبق)

2.    آف فيرسان (سفير فرنسا في بروكسل)

3.    آ. باوليس (ضابط بلجيكي متقاعد)

اجتمعت هذه اللجنة بتاريخ 13 تشرين الثاني 1924 في جنيف لغرض تحديد خطة العمل وحددت أسئلة توجه إلى طرفي النزاع. في البدء زارت اللجنة الجهات الرسمية في لندن وبعدها التقت بالمسؤولين الأتراك في أنقرة في 4 كانون الثاني 1925م. بعد سلسلة اللقاءات في لندن وأنقرة وصلت اللجنة إلى بغداد بتأريخ 16 كانون الثاني 1924 واجتمعت بالحاكم العسكري البريطاني السير هنري دوبز.

تعرضت اللجنة منذ اليوم الأول لعملها في العراق إلى ضغوطات مختلفة من السلطة العراقية العاملة تحت الانتداب البريطاني. وقد شعرت اللجنة بهذه الضغوط وقامت بكتابة تقريرها ورفعها إلى عصبة الأمم تشرح فيه ما تتعرض إليه اللجنة خلال عملها.  

رغم الضغوطات التي ذكرتها اللجنة في تقريرها، إلاّ أنها داومت على العمل بحسب المنهج المخطط وانتقلت إلى ولاية الموصل في 27 كانون الثاني 1925م. بدأت اللجنة الأستماع إلى آراء بعضاً من أهالي الولاية من الشخصيات المعروفة وتم استطلاع آرائهم. التقت اللجنة بأهالي الموصل وأربيل وكركوك وتم تشكيل لجان فرعية لزيارة المدن والقصبات المهمة مثل سنجار وتلعفر وعقرة والتون كوبري وكفري.

اللجنة كانت تعتمد في الغالب على قوائم الأسماء التي زودت بها من قبل المستشارين الأتراك والانكليز. وكانت تستمع إلى أولئك الأشخاص كل على حدة وحسب مقتضيات الحاجة. حتى أن الشرطة العراقية بدأت باعتقال وملاحقة الأشخاص الذين كانوا يبدون رغبتهم في البقاء تحت الإدارة التركية، ما أدى إلى تولد خوف لدى الآخرين من إبداء آرائهم بصورة علنية. لذا فقد ذهبت اللجنة هذه المرة إلى الاستماع إلى آراء أبناء المدن التي كانوا يزورنها بشكل سري وإخفائه عن العامة حرصاً على سلامتهم.

اللجنة في مدينة كفري

كفري التي كانت تسمى بـ(الصلاحية) ابان الحكم العثماني والتي تقع على سفح جبل بابا شاه سوار. وصلتها اللجنة للاستماع إلى آراء أهل هذه المدينة. تم استدعاء الأسماء التي قدمها المستشارين الإنكليز وكذلك الأشخاص الذين تم طلبهم من قبل المستشارين الأتراك. كلهم دون استثناء ومن كلتا القائمتين أعربوا عن رغبتهم في البقاء تحت الإدارة التركية بصفتها الإسلامية ورفضوا علناً الالتحاق بالخارطة الجديدة التي سميت بالعراق. لم يتردد أهالي كفري في الإفساح عن مشاعرهم والتعبير عن رأيهم في ذلك دون الخشية من الملاحقات والعقوبات التي من الممكن أن تلحق بهم في قدام الأيام بسبب طورهم هذا.

لم تكتفي الأهالي بهذا القدر فحسب، بل ذهبت المساجد والجوامع إلى رفع الصلوات من المآذن حتى بلغت أصوات التكبيرات عنان السماء. أمام هذا المنظر المريب بالنسبة للمحتلين الإنكليز اضطرت اللجنة الأممية الانسحاب من كفري والعودة إلى جنيف بعد أن حصلت على الإجابة اللازمة من أهالي كفري. هكذا سطرت كفري دوراً بطولياً رائعاً سجله التأريخ في سفر المدينة بأحرف من نور.

هذا الموقف المشرف ذكرته جريدة (الوقت) في عددها الصادر بتأريخ 3 نيسان 1925م بعد أن التقت الصحيفة بأعضاء اللجنة الأممية. حيث أوضح أعضاء اللجنة ما جرى في كفري وأنهم قد أصيبوا بالصدّمة لما بدر من أهالي كفري تجاه اللجنة، في حين كانت أهالي المناطق الأخرى يتخوفون من إبداء آرائهم سراً وعلانية.

هكذا رفضت مدينة كفري تزوير التأريخ وتصدت الأهالي للاحتلال الإنكليزي ولم يقبلوا تعيين ملك عليهم دون إراداتهم الوطنية. فهم أصحاب الأرض والتأريخ التليد الذي يشهد له القاصي قبل الداني.لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، حتى تمكنت القوى الامبريالية من تنفيذ مخططاتها وتمرير مآربها ومن ثم بسط هيمنتها على المنطقة والاستحواذ على آبار النفط والتحكم بمصادر الطاقة

Be First to Comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *