د.طورهان المفتي
المتلقي للوهلة الاولى ان الكلمتين ( النتائج والنتاج ) لهما نفس المعنى والمحتوى ، إلا ان واقع الأمر فالموضوعين مختلفين جداً .فيمكن تعريف النتائج او النتيجة ( result ) بانها تلك الكلمة الأشمل والتي تحتوي بين جنباتها على النتاج، وايضا تشير إلى مدى الاستفادة ومقدار التأثير للنتاج فيما حولها وضمن الموضوع الخاص بها محاضر ومستقبل ايضاً ، اما النتاج (output ) فهي المخرجات لموضوع ما بصورة مجردة دون النظر إلى إسقاطات هذه المخرجات .واخيرا فان كلا المصطلحين يجمعهما مصطلح واحد وهو المنتج( product ).
لتقريب الصورة فيمكن إعطاء أمثلة عديدة حول الموضوع .وعلى سبيل المثال نتيجة الامتحان النهائي لاي مرحلة دراسية تشير إلى عبور الطالب إلى مرحلة جديدة مع كتابة تسلسل الطالب من ضمن الطلاب الناجحين وكذلك المعدل العام مما يعطي نظرة شاملة لامكانية الطالب العلمية وموقفه ضمن مرحلته مع بقية الطلاب وكذلك يمكن التكهن من خلال هذه النتيجة بمقدرة الطالب للسنوات القادمة .اما النتاج فهو فقط ان يقال للطالب اجتاز المرحلة ام لم يجتز ومن دون الدخول في التفاصيل ودون معرفة التفاصيل أصلاً ،فامتحانات الدور الاول دائماً تعطي النتائج وامتحانات الدور الثاني في اغلب الأنظمة تعطي النتاج ( ناجح ام لا ) ذلك ان اعادة الطالب للامتحان في الدور الثاني قد أعطى مسبقاً نتيجته ضمن مرحلته وتسلسله ومقدرته العلمية. فيما يكون (المنتج )هو الطالب نفسه والجيل الدراسي من بعده .
التفريق بين هذه المصطلحات في السياسة.
حقيقة الأمر التمييز بين المصطلحين في السياسة مهمة جداً لغرض تحديد المسارات السياسية وتمييز النجاحات والإخفاقات بصورة دقيقة . لكن الذي يحصل في اغلب الاحيان في رسم السياسة والقرارات السياسية في الشرق الأوسط هو مغاير لهذه المصطلحات ،فغالبية القرارات الإقليمية تتخذ من خلال (المنتج) بصورته الشمولية دون الدخول في النتائج والنتاج او المخرجات الإقليمية او المحلية . على سبيل المثال تعرض العراق بعد التغيير سنة ٢٠٠٣ إلى زخم كبير جداً من العمليات الارهابية وبسبب تسيب حدود الدولة العراقية تسرب الكثير الكثير من الارهابيين إلى العراق وهم قادمون من مختلف الدول والأنظمة السياسية سواء بمباركة تلك الأنظمة او بتسهيل المغادرة لبلدانهم للتخلص منهم وتحويل العراق في الوقت نفسه إلى مستنقع من الحروب والعمليات الارهابية فتم التعامل مع العراق كمنتج دون النظر في نتائج هذه الإجراءات ونتاجات هذه العملية فكان ما كان من نتاج هذه العملية هو خلق مجموعة متطرفة برسائل متطرفة تنبذ جميع الإنسانية بكل أنواعها فيما عدا المنتمين إليهم إلى هذا الفكر المتطرف وكانت النتيجة ظهور داعش كمنظومة (سياسية -دينية) أتت على الاخضر قبل اليابس لتحتل اجزاء من الشرق الأوسط في العراق وسوريا ولتهدد بقية الشرق الأوسط جميعاً .
فاللاعبين السياسيين في الشرق الأوسط بصورة عامة لايبالون بأصول اللعبة والقوانين السياسية ،فهم يلعبون بأنفة عالية غير مبالين بالمتغيرات السريعة وإسقاطات هذه المتغيرات على الشرق الأوسط بمجمل تفاصيله .
الاحداث الاخيرة بين ايران وقوات الاحتلال .
القت الاحداث في فلسطين وخاصة في قطاع غزة بظلالها على جميع دول العالم المهتمة بهذه القضية سواءاً كانت هذه الدول مع الشعب الفلسطيني ام مع قوات الاحتلال ، بالتالي أفرزت هذه الاحداث معسكرين اثنين إضافة إلى أغلبية صامتة للكثير من الدول لاسباب كثيرة اقتصادية كانت ام فنية ام مسائل اخرى . اما المجتمع العربي فقد انقسم على نفسه بين شعب متفاعل مع قضية غزة وقيادات بتصريحات خجولة وفي احيان قليلة كانت من هذه الدول بكليتها مع قضية غزة كما هو الحال مع العراق .
دخلت ايران وتركيا ( كدول غير عربية قريبة على الاحداث) إلى خط الأزمة بصورة قوية من خلال تصريحات وتحذيرات بعدم الإيغال فيما يحدث على المواطنين في قطاع غزة وضرورة وقف هذه الهجمات والرضوخ إلى الحوار بين الطرفين لتجنب سقوط ضحايا اكثر مما سقطت لكن جميع هذه المساعي الدولية لم تأت بنتائج ملموسة فيما يخص إيقاف القصف الجوي على قطاع غزة او فتح الحصار او اللجوء إلى حوار متكافىء بين الطرفين .
المواجهة بين ايران – قوات الاحتلال.
منذ عدة اشهر وبصورة متزامنة مع احداث غزة هناك مواجهات ممكن ان تطلق عليها ضمن (سياسة عض الأصبع ) بين الطرفين من خلال القصف الممنهج وبعض الاغتيالات السياسية وما شاكل ذلك ، إلا ان هذه المواجهات ( الناعمة ) تحولت فجاءة إلى مواجهة قوية وصادمة من خلال قيام قوات الاحتلال وباستخدام طائرات حربية بقصف المبنى الملحق بالقنصلية الإيرانية في دمشق وذلك في الاول من نيسان من هذا العام .لتدخل المواجهة بين الطرفين إلى مرحلة (الخشونة) والمواجهة المباشرة . ذلك ان الأعراف الدولية تعتبر هذه الأراضي الدبلوماسية اراضي إيرانية بالتالي فان القصف يمكن اعتباره بانه جرى على ارض إيرانية خالصة .لذا توقع غالبية المراقبين ان يكون هناك رد إيراني على هذا القصف بغض النظر عن ما سيؤول اليه الحال بعد هذا الرد.
بعد حوالي عشرة ايام من القصف للقنصلية الإيرانية بدء الرد الإيراني يظهر للعلن من خلال وجود تحذيرات للمطارات والطائرات المدنية وكذلك وجود رسائل تحذيرية وتبليغات من ايران لدول المنطقة والدول ذات الفاعلية في المنطقة ولتشرف ايران في الرد ليلة السبت على الأحد المنصرم من خلال إطلاق العشرات من المسيرات والصواريخ المختلفة باتجاه (اسرائيل) ،مع وصول هذه المقذوفات إلى سماء الاحتلال بداءت عملية التصدي و إسقاط وتحييد هذه المقذوفات وذلك لغالبية هذه المقذوفات الإيرانية .
النتائج والنتاج والمنتج الإيراني
ذكر بعض المراقبين بان الرد الإيراني لم يكن بالمستوى المطلوب وذهب البعض الاخر بعيداً باعتبار الرد الإيراني كان فاشلاً ولم تأت باي نتيجة بل انها كانت عبارة عن مسرحية متفقة عليها بين الطرفين والأطراف الكبرى.
وبجمع الاراء الخاصة بالمراقبين والمحللين قد يبدو للناظر بحيادية إلى هذه العملية عدد من الاجابات المهمة وهي :
أولاً : النتاج من هذا الرد الإيراني هو ان ايران استطاعت ان ترد القصف بالقصف وان كان القصف الإيراني لم يأت بالثمار المرجوة او كان المراقبين يتوقعونه.
ثانياً : النتائج من هذا الرد هو :-
١- اظهر الرد الإيراني قابلية ايران في الإيصال الناري إلى ابعد نقطة من (اسرائيل) بالتالي تحجيم نظرية العمق الاستراتيجي او البعد الجغرافي بين الطرفين .
٢- ان قابلية ايران في الرد على ( اسرائيل) لن تختلف بعد الان في الرد على اية دولة تقوم بعملية عسكرية مباشرة بالضد من ايران ( وهي رسالة إلى الأصدقاء قبل الاعداء ).
٣- ايران بالرغم من كل ما مر بها من مواجهات فلا زالت تحترم القوى والقرارات الأممية من خلال عدم قصف مواقع دبلوماسية كنوع من الرد بالمثل .
٤- ان ايران تمتلك تنوع في القوى والأسلحة الضاربة
(operational research)ا5 -استنحدام مبدا بحوث العلميات في اختيار أدوات الرد
ثالثاً : المنتج هو وجود قوة فعلية في الشرق الأوسط لايمكن اغفالها بعد اليوم ومتمثلة بايران.
اخيراً سوف ننتظر لنرى قابلية الطرف الاخر المتمثل ب(اسرائيل ) في ضبط النفس ام التحول إلى مرحلة اخرى من المواجهة وهو الامر الذي لا نرجوه وقوعه حيث قد تجر المنطقة إلى أتون حرب لن تنتهي بسهولة.
Be First to Comment