Press "Enter" to skip to content

حين تأكل الثورة ابناءها -مقالة

د.طورهان المفتي

ان مصطلح الثورة وردت في اللغة العربية لحالات فوران او خروج اي شيء من نطاق محصور و نظام محظور الى الفضاء الواسع وبدون قيود ليأتي هذا الشيء على الاخضر واليابس وباوقات غير متوقعة وبقوة غير مجدولة وبنتيجة غير مدروسة ، وعلى هذا المعيار تم اطلاق مصطلح الثورة على فعاليات البراكين ، فتقال لتلك الحركات والفعاليات بثورة البركان او ثوران البركان .
اذا ما هو دلائل ومرافقات ثوران البركان ؟
تصاحب ثورة البركان حركات وتصدعات ارضية نتيجة تراخي الصفائح الارضية او احتكاكها مما تساهم في اخراج حممها لتعقب تلك الفعاليات ثوران البركان واطلاق الحمم من الحجارة والنار ولدرجات حرارة تصل الى حوالي الفين درجة مئوية ، ماذا تفعل هذه الحمم ؟ . تأتي الحمم على كل شيء قريب الى البركان. تقتل الحياة و تمحي النماء وتنشر الفوضى والقتل في كل الانحاء من الهواء الى التربة والماء بالتالي تكون سلوكيات البركان وحممها عشوائية ومن غير سابق انذار ومن غير دراسة لنتائجها وعلى الاخرين تحمل نتائج هذه الثورة مرغمين او راضين ، كما وان ثورة البركان لن تكون نهائية فتكفي حركة صغيرة وتصدع اصغر لتنتج ثورة بركان جديدة على نفس موقع البركان السابق وتستمر هذه الحالة من عدم الاستقرار في تلك المنطقة حتى يشاء الله او يقضي امراً كان مفعولًا.

بالعودة الى ما نحن فيه الان .
ان ما حصل في سنة ١٩٥٨ من انقلاب و( ثورة ) كانت بسبب (الشعور )بالغبن والطبقية والعوز وبنية الارتقاء ونشر الرفاهية ولكن ادت كنتيجة الى انهاء فعلي لمفاهيم التداول السلمي للسلطة وتغيير لفلسفة النظام ونمو لاعمال القتل و حرق للبيوت ، ولتكون صور القتل والسحل طاغيا على اي انجاز واعمار وبناء وتكافل فرص حصلت بعد هذا التاريخ والتي هي كثيرة وذات منحى منطقي ، واعطت مؤشرا جلياً ان ما حصل كان فعليا ثورة بركان بصيغتها البشرية والتي اتت على الاخضر واليابس كمفاهيم مجتمعية، ولتشرعن مبدأ الاستيلاء على السلطة من خلال استخدام السلاح والقتل والتهجير والتصفيات ( ولتكون هذه الثورة اولى الانتهاكات الفعلية لقدسية العراق والتي لن تكون الاخيرة )لنجد اولى قطوفات هذه الثورة (الانقلاب) حركة الشواف المسلحة في الموصل وام الطبول في بغداد مرورا بمجازر كركوك في سنك ١٩٥٩ من عمليات سحل وقتل واستخدام السلاح والقوة في فرض الرأي والتحرك نحو السلطة .
لم ينتهِ الامر عند هذا الحد ، وانما دخلت الثورة في مرحلة جديدة وهي مرحلة اكل الثورة لابناءها فها هو عبد السلام عارف ومع ثلة اخرين يركنون الى السلاح ويؤمنون باراقة الدماء كمبدأ لتداول السلطة ويسعون للتصفية لاجل السلطة ويعشقون القتل والتقتيل لاجل السلطة ولتاكل الثورة اول ابناءها و هو عبدالكريم قاسم (قائد انقلاب ١٤ تموز سنة١٩٥٨ واول من أراق الدم في سبيل السلطة) في سنة ١٩٦٣ وليكون هو ضحية مبدأ هو مَن اوجده واستسهل قدسية العراق في اراقة الدماء والخروج على الدستور ، و لم تنتهِ مأساة العراق وانما استمرت المؤامرات والقتل والتنكيل للاستيلاء على السلطة ففي سنة ١٩٦٨ استولى  البعث والشوفينية على السلطة ولتتعثر كل عملية بناء فعلية للعراق ولتُخلق سياسة فرق تسد بين ابناء الوطن الواحد ولينتج مبدأ ان العراقيين درجات في المواطنة وليدخل العراق في مغامرات وحروب وعسكرة للمجتمع وعدم تقبل الرأي والرأي الاخر واستخدام القوة والتغييب ضد المعارضين. وليأتي التغيير في سنة٢٠٠٣ واسقاط النظام الصدامي بكل جبروته واجرامه ، ولتستمر اعمال العنف وظهور فئات ارهابية وزعزعة امن العراق ومحاولات تقسيمه واذابة الدولة العراقية .
كل ما سبقت ذكرها من احداث بصورة مختصرة اتت من خلال احداث انعدام مبدا التداول السلمي للسلطة والتي اقرت عملياً في احداث سنة ١٩٥٨ التي اتت بنوايا( الاعمار والارتقاء )وخرجت بنتائج منتكسة اجتماعياً والتي بهذه المتسلسلات الدموية غطت على اي انجاز او بناء حدث في تلك الفترات التي زامنت ( الثورات )و الانقلابات .

الان :.
العراق خطى خطواته نحو التحول الى بلد مستقر بلد يخضع الى القانون،بلد  فيه تباشير كثيرة وتحديات اكثر ، وقد تكون اهمها ان العراقيين مؤمنين بالتداول السلمي للسلطة ( ونبذ فكرة الثورة بعد الان ) وهذا ما يحصل بعد كل انتخابات نيابية وتشكيل حكومات جديدة متعاقبة ،والعراق حارب متوحداً ضد الارهاب وضد داعش ، فالعراق بالفعل وضع اولى خطواته في الاستقرار الممنهج من خلال التداول السلمي للسلطة عقب كل انتخابات وطنية كنتيجة الديموقراطية الفتية ،ولو اعطيت فرصه فعلية للبلاد فان العراق سوف ينهض متعافياً كلياً من كل جروحات

,وكدمات الماضي وفلسفة اراقة الدماء  ، فالعراق قدره ريادة المنطقة والرقم الاصعب في معادلات الشرق الاوسط

Be First to Comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *